أرشيف

القاعدة والحنين إلى زمن الخلافة .. من «إمارة عزان» إلى «إمارة وقار»!

مدينة «عـزان»:

مع إطلاق المؤذن تكبيرات الأذان في مدينة جعار يتسابق الجميع من دون اي كلل او ملل الى المساجد تاركين خلفهم بسطاتهم ومحلاتهم، ومن يتخلف عن أداء الصلاة فمصيره السجن على أيدي الدوريات التابعة للمسلحين التي تمشط المدينة في أوقات الصلاة.

 

 «أنصار الشريعة» يوجهون نداءات لأهالي المدينة بإخلاء منازلهم

 منع حفلات الأعراس وملاحقة الفنانين والمطبلين وطرد المجانين والمتسولين، وحملة ضد الكلاب الضآلة

 

 

بدأت السيطرة الفعلية لأعضاء «أنصار الشريعة» التابعين لتنظيم القاعدة، على مدينة عزان أهم مدن محافظة شبوة، في منتصف شهر أبريل عام 2011م المنصرم، وكانت المدينة قبل سقوطها تعد أماكن تجمع لأنصار الحراك الجنوبي وأعضاء حزب الإصلاح وشباب الثورة الشعبية من أبناء المنطقة حتى أواخر مارس الماضي، وعلى إثر انسحاب قوات الأمن والجيش من المدينة مع كامل عتادهم، خلال الأزمة السياسية والانفلات الأمني الذي صاحب الثورة الشبابية الشعبية، تمكن مسلحو «القاعدة» من الدخول إلى المدينة وفرض سيطرتهم عليها دون مقاومة، وقاموا بإعلانها «إمارة إسلامية»

 

وتعتبر مدينة عزان مدينة ذات مساحة جغرافية واسعة ومترامية الأطراف، وتحيطها مناطق وقرى متناثرة جميعها تدخل ضمن النطاق الإداري لمديرية «ميفعة» وتقطنها قبائل متعددة، وكانت مدينة عزان تعرف قديماً بمقر «سلطنة الواحدي» وأصبحت اليوم عبارة عن مجموعة أسواق ومحلات تجارية، ويتوفر بها عدد من المباني والمقار الحكومية البسيطة، وتضم ضمن ضواحيها مناطق وقرى، منها الحوطة وحضن وجول الريدة ومحصن ورضوم والكورة وباصفاء والعناب وخرامة، وتركيبة المجتمع القبلي في عزان غير عنيفة وتتحلى بالروح السلمية والمدنية، ومعظم رجال القبائل فيها غير متشددين عقائدياً وتعاملهم أشبه بالأحزاب اليسارية، بخلاف مدينة الحوطة التي تجد أن الطابع السلفي طاغ على سكانها، كما هو الخيار الديني الذي يعيشه بعض أبرز وجهائها، وكانت هذه المدينة تعرضت في 22 سبتمبر عام 2010م، إلى حملة عسكرية على أعقاب قيام أعضاء القاعدة القاطنين فيها باستهداف طقم عسكري تابع للأمن المركزي وقتل جنوده.

 

أهمية مدينة «عـزان» لعناصر «القاعـدة»

 

مدينة عزان هي آخر مدن محافظة شبوة، وبوابة الولوج إلى محافظة حضرموت، وتبعد عنها بمسافة 200 كيلو متر، وهي من الناحية الإستراتيجية تعد مهمة لحضرموت أكثر من شبوة، وتنشط تحركات أعضاء «القاعـدة» بحرية تامة على طول امتداد الطريق الساحلي الجنوبي، بدءاً من مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، وحتى مدينة المحفد آخر مدن أبين المتاخمة لمحافظة شبوة، حيث ينحدر منها في مفرق «النقبة» طريق فرعي باتجاه مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة، ويبلغ طول هذا الطريق الفرعي حوالي 70 كيلو متر، أما الخط الذي يتجه نحو محافظة حضرموت، فإنك لا بد أن تعبر خلاله على مدينة عزان نهاية محافظة شبوة.

 

 

ومن خلال سيطرة القاعدة على الشريط الساحلي الجنوبي والطرقات الصحراوية، تكون قد سيطرت ميدانياً على مساحة يقدر طولها بنحو 900 كيلو متر، تدخل ضمنها مناطق ومنافذ ساحلية مطلة على بحر العرب، وبهذا تكون «القاعدة» أكثر استحواذاً وتفوقاً من سيطرة قوات الجيش على تلكم المناطق، حيث إنها لا تسيطر سوى على نحو 220 كيلو متر من الطريق الساحلي الممتد من نقطة «العلم» في محافظة أبين، وحتى منطقة وادي حسان الواقعة على تخوم مدينة شقرة إحدى المدن التي يفرض «أنصار الشريعة» قبضتهم عليها، منذ يوليو العام الماضي، بعد قيام الطيران الحربي بقصف رجال قبائل المنطقة بالخطأ أثناء مطاردتهم لعناصر «القاعـدة».

 

 

وكما يبدو أن خطط «القاعدة» ونجاحها في السيطرة على الشريط الساحلي الجنوبي، يندرج ضمن تكتيك عسكري منظم ومدروس يصعب خلاله محاصرته، كما أنه يساعدهم في الحصول على السلاح والعتاد والمدد اللوجستي، وكذلك بالمقاتلين الوافدين من جنسيات مختلفة خصوصاً من القرن الإفريقي عبر البحر، إلى جانب أن سيطرة أعضاء «القاعدة» على هذه المناطق والمعابر البحرية المهمة، تمكنهم من تشكيل تأثير وتهديد مباشر على خطوط الملاحة الدولية.

 

عدد مقاتلي «القاعدة» ومواقع سيطرتهم في مدينة «عـزان»

 

 

ترجح مصادر محلية في مدينة عزان، أن عدد مسلحي «القاعدة» الذين يتواجدون حالياً في مدينتهم وبعض المناطق المجاورة لها يقدر بحوالي 500 إلى 700 مسلح، معظمهم شباب غير ملتزمين دينياً، ولكنهم يطالبون بتحكيم شرع الله تحت تأثير دعوات ووصاية أمراء «القاعـدة» الذين لا يظهرون في ميادين القتال إلا نادراً ويتم التحفظ عن ذكر أسمائهم والتستر عن شخصيتهم بصورة شديدة، وتطلق عليهم ألقاباً وكنيات مستعارة.

 

 

وبحسب ما يقوله سكان عزان، فإن معظم المقاتلين المنخرطين في صفوف «القاعدة» ليسوا من أبناء المنطقة، ولكنهم ينتمون إلى محافظات أبين وصنعاء والجوف ومأرب والبيضاء وتعز وإب وحضرموت، يساندهم العشرات من المقاتلين الذين وفدوا من دول وأقطار عربية وآسيوية وإفريقية من بينها السعودية ومصر والجزائر وتونس والمغرب وبلاد الشام والصومال وباكستان وأفغانستان.

 

 

وتشير مصادر محلية إلى إن كمية العتاد والأسلحة الظاهرة التي يسيطر بها أعضاء «القاعـدة» على مدينة عزان، عبارة عن 4 عربات مضادة للطيران ومصفحتين ومدرعة عسكرية، إلى جانب عشرات الأطقم التي كانوا قد استولوا عليها من قوات الجيش خلال معارك أبين، كما أنهم يستقلون في تنقلاتهم سيارات خاصة من نوع لاند كروزر وجيب حبة إلا ربع وشاصات وهيلوكسات، جميعها تحمل أرقاماً يمنية وسعودية خاصة.

 

 

وتكشف المصادر ذاتها أن لمسلحي القاعدة معسكراً تدريباً سرياً، وشبكة تجسس منظمة في منطقة الحوطة التي تعد مقراً رئيسياً لممارسة أنشطتهم، ومدينة الحوطة هي عبارة عن سلسلة جبلية ممتدة على نطاق واسع من المدينة، وبها وادِ كبير اسمه «عمقين»، وتمتاز بوفرة الشعاب والممرات الجبلية الضيقة، ويقدر سكانها بنحو 27 ألف نسمة، وهم ينتمون إلى مشيخة بيت آل الفقيه التي تتوزع على خمسة بيوت هي آل محمود وآل عقبل وآل وهاب وآل الشافعي وآل بالوظاف، ومعظم سكانها يشتغلون في أعمال التجارة والأنشطة الحرة، والكثير منهم يعيش مغترباً في السعودية والخليج، ومنشغلاً في أمور الدعوة والزاد والتقوى.

 

 

وتعد قلعة عزان- مقر الشرطة سابقاً- المعقل الرئيسي لأعضاء «أنصار الشريعة» والتي منها يتم اتخاذ القرارات والأوامر للمسلحين، الذين يتمركزون في مبان ومرافق حكومية وخاصة، من ضمنها البنك الزراعي ويقيمون بشكل دائم تحت جسر «تفـر» في عزان، ويمضون ليلتهم في جوامع المدينة وفي عمائر تابعة للمواطنين استولوا عليها بقوة السلاح، ولديهم نقطتا تفتيش رئيسيتان، الأولى في عزان نفسها، والأخرى في مدينة الحوطة، ويقومون بتمشيط المناطق الخاضعة تحت سيطرتهم بين الفينة والأخرى، حيث أنهم حاولوا يوم الأربعاء الماضي، إقامة نقطة أمنية ثالثة في مدينة جول الريدة غير أنهم فشلوا بعد تدخل رجال القبائل فيها.

 

 

ويؤكد سكان المدينة، بأن مناطقهم خالية تماماً من تواجد قوات الأمن والجيش، بعد خروج كافة قوات الأمن التابعة للشرطة العسكرية والنجدة والأمن المركزي، التي حملت عتادها وشقت طريقها صوب مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة، منذ بداية الثورة الشبابية والأزمة السياسية، والقبائل هي من تسيطر أمنياً على المناطق الخاضعة لها، باستثناء مدينة وسوق عزان وبعض المناطق التي لا تخضع للنفوذ القبلي ويسيطر عليها مسلحو القاعدة.

 

الوضع الميداني الراهن في عزان، وطريقة تعاملات أعضاء «القاعدة» مع سكان المدينة

 

 

يقول سكان محليون إن «أنصار الشريعة» وجهوا منذ السبت الماضي، إنذارات واسعة ومكثفة لسكان مدينة عزان، بإخلاء منازلهم ومناطقهم والتوجه إلى مناطق ومدن آمنة، بعد أن ترددت أنباء عن عزم الطيران الحربي بتوجيه غارات على مواقع القاعدة في عزان، بالتزامن مع ازدياد طلعات الطيران الأمريكي بدون طيار على مناطقهم بعد أحداث منطقة وادي دوفس، وسط مخاوف تنتاب الأهالي من تعرض مناطقهم إلى غارات وعمليات عسكرية واسعة.

 

 

وقالت مصادر محلية إنها شاهدت في أوقات متأخرة من مساء السبت الماضي، وصول تعزيزات وحشود كبيرة لمسلحي القاعدة توافدت إلى مدينة عزان، وقال عدد من أهالي مدينة جعار في أبين، إنهم شاهدوا أيضاً نحو 20 طقماً عسكرياً يقلان العشرات من مقاتلي «أنصار الشريعة» التابعين للقاعدة في طريقهم إلى مدينة عزان في شبوة، يرجح أنها تأتي ضمن استعدادات «القاعدة» لمواجهة أي ضربة عسكرية قد تستهدف مواقعهم.

 

 

وذكرت مصادر أخرى، أن «أنصار الشريعة» قاموا مؤخراً بمنع فرق التطعيم الطبية الخاصة بشلل الأطفال، من تأدية وظيفتهم، بذريعة أن اللقاحات المقدمة للأطفال مستقدمة من بلدان كافرة ويسيطر أعضاء «القاعدة» على المستشفى الوحيد في مدينة عزان، حيث يشرف عليه طبيبان أحدهما تونسي والآخر أفغاني الجنسية، وتشير مصادر مقربة من عناصر القاعدة» في عزان، إلى أن «القاعدة» لا تقوم بمعالجة جرحاها في مستشفى عزان، ولكن في أماكن ومستشفيات خاصة بمدينة جعار في أبين.

 

 

كما تقوم سيارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التابعة لأنصار الشريعة، بالتجوال مع دخول أوقات الصلاة، وتعمل على إجبار ملاك المحلات ومطالبتهم عبر مكبرات الصوت، بإغلاق محلاتهم والتوجه إلى الجوامع للصلاة، والتهديد باتخاذ إجراءات ضد المخالفين منهم.

 

 

ويؤكد أبناء مدينة عزان، أن عناصر «أنصار الشريعة» تحاول إخضاع الأهالي لاحترام قوانين سلطة الإمارة والامتثال لأوامر أمراء «القاعدة» الذين يقومون بمحاكمة المواطنين المتورطين بأعمال مخالفة في محكمة إسلامية عاجلة تم إنشاؤها فور سيطرتهم على مدينة عزان، بالإضافة إلى اختطاف عدد من المواطنين المطلوبين لديها أثناء تجولهم في الأسواق، وذلك لأسبب عدم قدرة دخول عناصر»القاعدة» المناطق القبلية للقبض على من تريدهم من أبناء القبائل، وتشير بعض المصادر إلى أن مسلحي «القاعدة» حاولوا قبل أيام اختطاف مواطن من نقطة «لقموش» وأخذه بحجة أنه مطلوب على ذمة قضية مخالفة، غير أن رجال القبائل تدخلوا لإطلاق سراحه.

 

 

وتقول مصادر محلية، إن عناصر «أنصار الشريعة» نفذوا حكما بالإعدام بحق مواطن من أبناء محافظة شبوة، بتهمة التجسس لصالح السعودية، وإن الحكم نفذ عليه رمياً بالرصاص مطلع الأسبوع قبل الماضي، في مكان عام، بعد تسجيل اعترافه بشرائط فيديو.

 

 

ولم يسلم المختلون عقلياً والمتسولون من ملاحقة أنصار «القاعدة» في عزان، الذين يدور حولهم ارتياب وتجري ملاحقتهم واحتجازهم بتهمة التنصت والتجسس، كما أنهم نفذوا منذ الأربعاء الماضي حملة استهداف للكلاب الضالة وقتلها بالرصاص، بعد أن ترددت أنباء عن أنها تحمل أجهزة تنصت واتصال لرصد تحركات مسلحي «القاعدة».

 

 

ويقول سكان محليون في عزان إن عناصر «أنصار الشريعة» منعت المواطنين من إقامة حفلات الأعراس التي تصاحبها أغان ورقص، وهددت الفنانين و»المطبلين» بإقامة الحد الشرعي عليهم، في حال شاركوا في إحيائها، مطالبين المواطنين الالتزام بضوابط وشرع الدين.

 

 

ويفرض مسلحو «أنصار الشريعة» على ملاك المحلات التجارية في مدينة عزان، رسوماً شهرية بواقع 1500 ريال من صاحب كل محل، لصالح دفع رواتب عمال البلدية والنظافة، حيث بدأت عناصر «القاعدة» خلال الأسبوعين الماضيين، بتوسيع دوائر ما أسموها بولايات إمارة عزان، إلى مناطق خاضعة للنفوذ القبلي، عبر إجبار عمال البلدية على توزيع براميل قمامة حديثة مكتوب عليها «بلدية إمارة عزان» ويقدر عددها بنحو 200 برميل قمامة، وقيمتها الإجمالية نحو مليوني ريال، كما يقومون بالتدخل في فض النزاعات والخلافات الناشبة بين القبائل وإصلاح ذات البين بينها.

 

 

ويتهم رجال القبائل في مدينة عزان، نظام الرئيس «صالح» ورموزه من القيادات العسكرية الحالية والمنشقة، بدعم عناصر «القاعدة» في مناطقهم.

 

 

وأوضحت لصحيفة «يمنات» مصادر مقربة من القاعدة في مدينة عزان، أن السلطات الحكومية حاولت التضييق على أهالي المدينة، من أجل الانقلاب على عناصر «القاعدة» وقامت بقطع التيار الكهربائي عنهم، غير أن عناصر «القاعدة» هددوا موظفي الكهرباء بقطع أيديهم في حالة مارسوا قطع الكهرباء عن سكان المدينة.

 

 

وحول مصادر الدعم والصرفيات الكبيرة التي ينفقها أعضاء «القاعدة» وبالدولار واليورو، تشير بعض المصادر المحلية إلى أن «القاعدة» في عزان تعتمد على تمويل مصادرها وتغطية نفقات عناصرها، من خلال صفقات ومساومات مع حكومات وشركات أجنبية، مثل عملية اختطاف سياح فرنسيين قبل أكثر من 3 أشهر، وحصلوا بموجبها على ستة ملايين يورو من الحكومة الفرنسية بعد نجاح الوساطة التي قامت بها سلطنة عمان عبر الوسيط اليمني رجل الأعمال أحمد بن صريمة، كما أنهم حصلوا قبل شهر ونصف على مبلغ 300 ألف دولار من شركة أجنبية تعمل في قطاع «المسيلة» إثر قيام عناصر «القاعدة» باحتجاز عدد من الشاحنات والقواطر التابعة للشركة وتهديدها بقتل سائقها، ونالت المبلغ عبر تدخل شخصية قبلية تدعى «زبارة» قام بالتوسط بين الطرفين.

 

 

وكثيراً ما تلجأ «القاعدة» في عزان إلى أعمال التقطع واحتجاز شاحنات وقواطر محملة بالغاز، وكذلك الشاحنات المحملة بالمعدات الخاصة بشركات النفط، إضافة إلى حجز شاحنات البضائع المتجهة إلى حضرموت، بغية مساومة ملاكها والحصول على أموال وهبات تسدد من خلالها نفقات عناصرها وتكاليف سيطرتها وتواجدها على الأرض.

 

«يمنات»- قسم التحقيقات

مشاركة/ عبدالله قائد

/جهاد حسن

زر الذهاب إلى الأعلى